أين ولد الإمام أبو حنيفة؟
نهاد محمد إدريس الشريف - آخر تحديث:
١٧:١٦ ، ٢١ يونيو ٢٠٢٠

محتويات
الإمام أبو حنيفة
هو النعمان بن ثابت الملقب بأبي حنيفة، وقد لُقب بالإمام الأعظم،[١] ويعد الإمام أبو حنيفة النعمان من جمهور العلماء وفقهاء الدين الإسلامي، وأحد الأئمة الأربعة، وصاحب أول مذهب فقهي وهو المذهب الحنفي الذي ذاع وانتشر في أرجاء المعمورة لقوة الدليل والنظرة الشمولية للواقع والمستقبل التي تتجلى في كافة جنبات هذا المذهب الفقهي، فقد كان الإمام غزير العلم، حسن الخلق، حكيمًا، طيب القول، ورعًا، تقيًا، عالمًا، درس جميع العلوم الشرعية وبرع فيها حتى استقر وتعمق في علم الفقه.[٢]
مكان ولادة أبو حنيفة
ولد الإمام في مدينة الكوفة في العراق عام 80هـ/ 699م، والتي كانت عاصمة الخلافة الإسلامية فترة حكم الخليفة عبد الملك بن مروان أحد الخلفاء الأمويين، فقد عاش الإمام معظم حياته في الكوفة، وقد جمع صفات كثيرة في شخصه مما خلد اسمه وإنتاجه الديني حتى قيام الساعة، فقد تميز بالذكاء والفطنة والزهد والتعبد لله سبحانه وتعالى، فيصنفه العلماء من التابعين الذي اجتمعوا ببعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد التقى بالأمام أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وغيرهم ممن روى عنهم العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، ومما عزز من علمه وقدرته على تحليل المواقف ومعرفة العرف وعادات البيع والشراء ومعاملات الدين هو عمله كتاجر طوال حياته، فكان يُطلق عليه الخزاز لتجارته في الخز (ما يُنسج من صوف وثياب).[١]
ويوجد اختلاف بين الروايات في تحديد عرقه؛ فيقال أنه من أصل فارسي، ولكن ما أكدته الدراسات الأكاديمية التاريخية وبعض المؤرخين العرب أمثال مصطفى جواد وناجي معروف أنه من أصل نبطي بابلي عراقي عربي، إذ أكدوا عروبته بسند تاريخي يبطل كلّ ما قيل عنه سابقًا؛ فوالده ثابت بن المرزبان من بني يحيى بن زيد بن أسد، وهو رجل من عرب الأزد اليمنيين الذين تركوا بلادهم وهاجروا إلى العراق بعد انهيار سدّ مأرب في اليمن.[٣]
نشأة أبو حنيفة
نشأ أبو حنيفة في مدينة الكوفة العراقية، وكانت مدينة الكوفة آنذاك إحدى مدن العراق المعروفة بعلمائها من كافة المذاهب والديانات، فكانت بداية نشأته في هذه البيئة الغنية بالعلم والعلوم والعلماء، فاستمع أبو حنيفة منذ صغره لحوار العلماء وناقش وجادل معهم، ولكنه كان منشغلًا بما كان عليه أبوه وجده من العمل في التجارة، ثم انصرف لطلب العلم وحضور حلقات العلماء، وتوجه لدراسة الفقه بعد أن مرّ على كافة العلوم المعروفة في وقته، وأخذ علم الفقه عن شيخه حماد بن أبي سليمان؛ فلزمه وظل ينهل من علمه وفقهه حتى مات الشيخ حماد سنة 120 للهجرة، وبعد وفاة الشيخ تولى أبو حنيفة تقديم حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وبدأ يدرّس تلاميذه الفتاوى التي تُعرض عليه ويناقشها معهم، وهذه الطريقة الفقهية في تعليم الفقه والأحكام الشرعية اشتق منها المذهب الحنفي الذي يعد من أهم المذاهب الفقهية.
أما أهم من تلقى الإمام العلم على أيديهم فكان العالم "حماد بن أبي سلمان"، وهو من لازمه الإمام لمدة 18 عامًا، إذ كان للإمام أبي حنيفة أسلوب ومنهج في المسائل الفقهية التي تُعرض عليه، والتي كانت تتلخص بجمع أصحابه من الفقهاء وعرض المسألة الفقهية عليهم، فإن أجمعوا على رأي واحد أخذ بها الإمام، إما إذا اختلفوا فالاتجاه يكون إلى النقاش المدعم بالأدلة لكل منهم، فكان من أسلوب الإمام كتابة المسائل قبل الدخول في تحليلها والوقوف على حيثياتها، فقد شكّل حلقة علمية لعشرة من أصحابة لمدة عام للتعمق في المسائل الشرعية الفقهية واستخدام أسلوب المناظرة والاستدلال والعلل، فقد أفضى علم أبي حنيفة لكتابة العديد من الكتب الفقهية أهمها كتاب "العلم والتعلم" و "الرد على القدرية والفقه الأكبر"، بالإضافة إلى إن الإمام قد أخرج أكثر من 215 حديثًا وأسند 118 حديثًا في مسائل الصلاة، وكان تلاميذه وأتباعه الذين كتبوا ووثّقوا مذهبه بعدد الأربعين إمامًا، ومن أهمهم وأقربهم للإمام الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني وزفر بن الهذيل بن قيس، إذ كان له دور في إضافة الأدلة وقوتها التي كانت تتفوق على أدلة أستاذهم الإمام أبي حنيفة، مما يدل على نقاء وصدق الأسلوب المبني على تقوى الله سبحانه وتعالى ومخافته.[١]
أهم محطات حياة أبو حنيفة
مرّت حياة الإمام بالعديد من المحطات والقضايا التي كان لها أثر كبير في علمه ومذهبه، ولكن كانت التقوى والإخلاص والزهد في الدنيا هي أبرز هذه المحطات، وهي كالآتي:[٤]
- تميزت مسيرة الإمام العلمية بقوة البحث والتدريس واتباع أسلوب النقاش، وقد كان سبّاقًا في وضع نظام قضائي من شأنه تنظيم حياة الناس في جميع العصور، فكان أسلوبه لا يعتمد على حلّ المسائل الفقهية عند وقوعها، بل كان باحثًا في مسائل وقضايا يتوقع وجودها في حياة المسلمين حاضرًا ومستقبلًا، بالإضافة إلى تميز أسلوبه المعتمد على الرأي والقياس على تجدد الأفكار والتعقل في فهم المسائل الشرعية.
- رفض الإمام منصب القضاء عدة مرات، سواء فترة الخلافة العباسية أو الأموية، فغضب منه الخلفاء، وقد سُجن أكثر من مرة لهذا السبب، إذ كان الإمام يتبنى بعدم تولي الإمام منصب القضاء، وبحسب المؤرخين فإن الإمام توفي في السجن بسبب وجهة نظره هذه.
- توفي الإمام عام 150 هـ ودُفن في مدينة بغداد، وبعد مدة تزيد عن القرنين من وفاته بُني بجانب قبره مسجدًا سُمي بمسجد الإمام الأعظم، والتي هي أحد ألقاب الإمام، وبجوار المسجد منطقة الأعظمية التي اُشتق أسمها من لقب الإمام.
- وصف العديد من العلماء الإمام بالعديد من الصفات التي كانت في مجملها طيبة خلدته إلى يوم الدين، وكان ممن وصفوه الإمام الشافعي رحمه الله، فقال عنه : "الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة"، وقال عنه الإمام مالك : "رأيت رجلا - يعني أبا حنيفة - لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا لقام بحجته".[٥]
المِحن التي تعرض لها الإمام في حياته
كانت إحدى هذه المحن في زمن الدولة الأموية، إذ وقف الأمام أبي حنيفة مع الثورة المسماة "ثورة الإمام زيد بن علي"، وكان ذلك بالتزامن مع رفضة لتولي منصب عند والي الكوفة آنذاك، الأمر الذي دعى الوالي الذي يُدعى " يزيد بن عمر بن هبيرة" إلى ضربه وحبسه، فهرب إلى مكة في عام 130 هـ إلى أن تولى العباسيون الخلافة ليرجع إلى الكوفة في زمن أبي جعفر المنصور، وفي حدث آخر مرّ به الإمام كان في العهد العباسي، إذ وقف الإمام وأيد ما يُسمى "بثورة النفس الزكية"، وكان جاهرًا بمخالفة الخليفة المنصور عندما يستفتيه الخليفة، ورفض دعوة المنصور في توليه القضاء، مما دعا الخليفة إلى حسبه والتشديد عليه وتهديده بالقتل باستمرار، وكان عمر الأمام قد شارف على السبعين، مما زاد من تعبه، ولكن ذلك لم يغير من معتقداته وقوة إيمانه، وقد انتهى به الأمر للوفاة في السجن، وينقل بعض المؤرخين بأن الخليفة هو من أمر بوضع السمّ له في السجن، والله تعالى هو أبقى وأعلم.[٥][٣]
شيوخ أبو حنيفة وتلاميذه وعقيدته
فيما يأتي أبرز شيوخ وتلاميذ أبي حنيفة:[٦]
- شيوخ أبي حنيفة: أخذ الإمام أبو حنيفة النعمان علمه من عدة علماء كبار وحفظة ثقات؛ أمثال عطاء بن أبي رباح، وعدي بن ثابت، ونافع مولى ابن عمر، وقيس بن مسلم، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبدالله بن مسعود، وعبد الله بن دينار، وحماد بن أبي سليمان.
- تلاميذ أبي حنيفة: تتلمذ على يد أبي حنيفة عدد من التلاميذ الذين أصبحوا من أبرز شيوخ وعلماء الدين فيما بعد؛ ومنهم: عبدالرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل، وحماد بن أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن الشيباني، ووكيع بن الجراح، والقاضي أبو يوسف.
- عقيدة أبي حنيفة: قال يحيى بن نصر يصف عقيدة الإمام أبو حنيفة؛ أنه رجل يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره، ولا يتكلم في الله عز وجل بشيء، يحب أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ولا يفرق بين أحد منهم، يأخذ بالرخص فيمسح على الخفين، كان بلا منازع من أفقهِ أهل زمانه وأتقاهم، ومن أبرز أقواله أنه قال أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن من قال بغير ذلك فهو كافر.
المذهب الحنفي
يعد الإمام أبو حنيفة من الأئمة الأربعة ومن أقلهم رواية للحديث؛ لأنه كان يحرص على التثبت من الرواية في الوقت الذي انتشرت فيه الفتن والأكاذيب خاصة في بلاد العراق، وكان المذهب الحنفي هو أول المذاهب الفقهية الأربعة المتفق عليها، وهي: المذهب الحنفي، والمذهب المالكي، والمذهب الشافعي، والمذهب الحنبلي، وما تميّز به المذهب الحنفي أنه كان قائمًا على عدة مصادر أهمها القرآن الكريم، والسنة النبوية، فبذل كلّ وقته وجهده في تحرّي الحقائق والتثبت من صحة الروايات، فكان المذهب الحنفي مذهبًا فقهيًا سليمًا واضحًا يهدي إلى طريق الحق.[٧]
أصول المذهب الحنفي
مصادر الفقه عند الإمام هي كالآتي:[٣]
- القرآن الكريم: يعد القرآن الكريم عند الإمام أبي حنيفة المصدر الأول والأعلى في مسائل الفقه؛ لأنه المصدر الوحيد قطعي الثبوت ولا شك في حرف من حروفه، وليس كمثله شيء، فلا يصل إلى مستوى ثبوته وقطعيته شيء سوى الحديث النبوي المتواتر.
- السنة النبوية: تأتي السنة النبوية عند أبي حنيفة في عدة منازل؛ فيقدم السنة القولية على السنة الفعلية لجواز أن يكون الفعل خاصًا بالنبي عليه السلام، ويقدم الأحاديث المتواترة على خبر الآحاد وقت التعارض في الفحوى لصعوبة الجمع بينهما، ويترك العمل بخبر الآحاد في حال جاء بما يخالف قاعدة شرعية مأخوذة من نص قرآني أو من السنة.
- الإجماع: ما أجمع عليه أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما اختلفوا فيه لا يخالف أقوالهم إلى أقوال غيرهم، فالإجماع هو مصدر فقهي ظهر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما اتفق عليه الأئمة المجتهدين في حكم شرعي، وكان دليلًا وحجة معتمدة عند الإمام أبي حنيفة.
- القياس: هو إلحاق فرع بأصل فيه نص بحكم معين سواء بالوجوب أو الحرمة؛ وذلك لوجود علة الحكم في الفرع كما في الأصل، ولكن الإمام أبي حنيفة يُقدم السنة على القياس.
- الاستحسان: الاستحسان عند أبي حنيفة ليس اتباعًا للهوى ولا حكمًا بالغرض؛ ولكنه اتباع أقوى الدليلين في أمر ما وطلب الأحسن منهما.
- العرف والعادة: وهو ما درجت عليه عادة الناس وما استقر في نفوسهم وعقولهم، وكان مقبولًا بالفطرة السليمة، والعرف في الأصل هو دليل شرعي فيما لا دليل شرعي فيه، أما إذا خالف العرف الكتاب والسنة فإنه مردود ولا يؤخذ به.
المراجع
- ^ أ ب ت "أبو حنيفة النعمان"، shamela، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2019. بتصرّف.
- ↑ "من أقوال أبي حنيفة النعمان"، elfagr، 1-10-2017، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "أبو حنيفة النعمان"، marefa ، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2019. بتصرّف.
- ↑ "الإمام أبو حنيفة النعمان"، aljazeera، 25-3-2013، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2019. بتصرّف.
- ^ أ ب شريف عبدالعزيز الزهيري (28-5-2016)، "محنة الإمام أبي حنيفة"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 28-5-2019. بتصرّف.
- ↑ صلاح الدق (24-2-2016)، "الإمام الفقيه: أبو حنيفة النعمان"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2019. بتصرّف.
- ↑ Amira Fahmy (18-9-2018)، "أبو حنيفة النعمان"، mwthoq، اطّلع عليه بتاريخ 25-6-2019. بتصرّف.
مواضيع ذات صلة بـ : أين ولد الإمام أبو حنيفة؟