تعريف الرشوة لغة واصطلاحا
حياتكَ - آخر تحديث:
١٣:٢٩ ، ٢ ديسمبر ٢٠١٩


محتويات
المعنى اللغوي والاصطلاحي للرشوة
من المعلوم عند علماء الشريعة الإسلامية أنه لفصل القضايا الشرعية وإصدار الفتاوى فيها لا بد من التبحر في معانيها اللغوية التي هي نقطة البداية في فهمها الشرعي أي الاصطلاحي، فلفهم الرشوة نبدأ بتفصيل مدلولها اللغوي الذي يفيد بأن جمعها رشا، ورَشَوات، ورَشْوات، ورَشاوي، ويقال أنّه يصح لفظ المفردات السابقة بمفردها وجمعها بضم الراء وفتحها وكسرها، والرّشوة بمعناها اللغوي البحت تعني رش الدلو أي أدلى دلوه بمعنى جعل للدلو رشاءً أو حبلًا حتى يصل به لغايته وهو الماء، ويطلق على الخيوط الطويلة والمتشابكة من الأعناب واليقطين اسم الرشوة، وكأن الرشوة حبل يصنعه الراشي من ماله من أجل الوصول إلى غايته، كما أن الرشوة مأخوذة من رشا الفرخ عندما يمدّ رأسه إلى أمه لتزقه وتطعمه، وعليه أُطلق اسم الرّشوة على كل مال يُدفع لشخص أو مؤسّسة من أجل الحصول على فائدة غير شرعيّة ودون وجه حق، فهي كسب غير مشروع من قِبَلِ شخصٍ يستغل منصبَهُ ومركزَهُ الوظيفيّ لقضاء حوائج الناس التي هي في الأساس حق مشروع بتنفيذها لهم مجانًا دون أي أموال تُدفع، وباختصار الرّشوة في اللغة فإنها تعني المصانعة أو المحاباة أو الجعل، وتعني أيضًا الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، فالراشي هو من يعطي من يعينه على الباطل، والمُرتشي هو الذي يأخذ الرشوة، والرائش هو الوسيط الذي يسعى ما بين الراشي والمُرتشي فيستزيد لهذا ويستنقص لهذا، واسترشى تعني طلبها إذ تفيد الزّيادة في الفعل هنا الطلب ورشاه بمعنى أعطاه.
الرّشوة في الاصطلاح تعني ما أُخذ بغير عوض ويُعاب أخذه، وهي ما يُعطى بعد طلبه، والهدية ما يدفع إليه ابتداءً، وقد عرّفها الجرجاني بأنّها: "ما يُعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل"، وقد تطرّق الأئمة الأربعة إلى تعريف الرشوة، فهي عند الأحناف كل ما يعطى لإبطال حق أو الوصول إلى جور أو إحقاق ظلم أو باطل، وهي عند المالكية بمعنى ما أعطيت لتحقيق الباطل، بينما عند الحنابلة تعني ما يعطى بعد طلبه والهدية الدفع إليه ابتداء، وعند الشافعية بمعنى ما يعطى للقاضي ليحكم بغير العدل أو ليمتنع عن الحكم بالحق، وأخيرًا لا يختلف مدلولها القانوني عن مدلولها الشرعي، فالرشوة في القانون هي أن يدفع الشخص المال من أجل الحصول على مكسب من دون وجه حق، أو طلب الموظف للمال مستغِلًّا منصِبَه الحكوميَّ أو وظيفته في أي شركة أو مؤسسة اعتبارية من أجل القيام بعمله مدفوع الأجره والذي يُلزِمُه القانون تقديمه لطالب الخدمة مجانًا أو برسوم يقرها القانون.[١]
الحكم الشرعي في الرشوة
أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر من استغلال المناصب، وحذر من مد اليد لهدايا الناس وأموالهم، فالحديث الذي رواه أبو حميد الساعدي عن الرسول يدل دلالة واضحة على ذلك، فقال :{اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا مِنَ الأزْدِ علَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى: ابْنَ الأُتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قالَ: هذا مَالُكُمْ، وَهذا هَدِيَّةٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَهَلَّا جَلَسْتَ في بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إنْ كُنْتَ صَادِقًا، ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنكُم علَى العَمَلِ ممَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتي فيَقولُ: هذا مَالُكُمْ، وَهذا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفلا جَلَسَ في بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إنْ كانَ صَادِقًا، وَاللَّهِ لا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا بغيرِ حَقِّهِ، إلَّا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى يَحْمِلُهُ يَومَ القِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنكُم لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ}[٢]، وبما أن الرشوة هي أكل أموال الناس بالباطل فهي محرمة شرعًا بدليل قوله تعالى :{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحاكم لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}،[٣] وقد أتت الآية للعلاقة التي مع الحكام، وحذرت من اعطائهم الأموال ليقتتطعوا حقًا بغير حق، وفي السنة النبوية الشريفة قال الرسول صلى الله عليه وسلم :[لَعَنَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الراشِيَ والمرْتَشِيَ في الحكْمِ][٤]، وقد جاء في الأثر لابن مسعود قوله عن الرشوة "الرشوة في الحكم كفر، وهي بين الناس سحت"، وقال أيضًا: "السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضي فيهدى إليك هدية فتقبلها منه"، وبناءً على ما تقدم فالرشوة حرام شرعًا دون أي شبهة في ذلك.[٥]
أنواع الرشوة
يصنف البعض الرشوة تصنيفًا عمليًا أي في الكيفية التي تحدث فيها الرشوة، وهي على ثلاثة أنواع، ولكن جميعها من الناحية الشرعية هي رشوة ومحرمة شرعًا، فاختلاف أنواعها لا يبرر أنه من الممكن أن تصبح الرشوة مباحة أو مكروهة، وهذه الأنواع كالآتي:[٦]
- النوع الأول: وهو أخذ الشيء بغير الحق، كالدفع لمسؤول ليعفيه من شيء ما، أو أخذ الموافقة على قضية ما قبل موعدها المستحق، أو لترويج سلعة غير صالحة وغيرها.
- النوع الثاني: وهو ليس ببعيد في عواقبه على النوع الأول، والذي يفيد بتفويت حق على صاحبه من باب الحسد أو الغيرة، ويدخل في الظلم من باب تضييع الحق على أصحابه.
- النوع الثالث: وهو الوصول لمنصب في حال كان ليس أهلًا له من خلال تقديم الهدايا أو الأموال لأصحاب المناصب والقرارات.
الآثار الاجتماعية المترتبة على الرشوة
كان التحذير الأول من الرشوة وعواقبها في الشريعة الإسلامية السمحاء، وبسبب ابتعاد المسلمين عن دينهم وتهاونهم في الأحكام الشرعية تشفت هذه الظاهرة كثيرًا، مما دعا العديد من القطاعات لا سيما الاقتصادية منها بالضغط لتجريمها في القوانين الوضعية، ومعاقبة فاعليها ومن يدور في فلكهم، أي ممن ساهموا في حدوث هذه الجريمة، إذ تعد جانبًا هامًا من جوانب الفساد المدمر للمجتمعات، فالبرشوة يوضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، وبالرشوة تتأخر أولويات الأعمال فتتحول الأولويات لمن يدفع أولًا، وبالرشوة تُهدر الأموال ويضعف الإنتاج، وبالرشوة تتعزز النظرة النفعية المادية للمجتمع لدرجة أن بعض الموظفين في بعض المجتمعات يدفعون أمولًا للمسؤولين كي يحتلوا مراكزًا يمكنهم فيها تحقيق عوائد مادية من الرشوة، لكن كل هذه الآثار لا تعني شيئًا إذا ما نظرنا للعنة التي تطال الراشي والمرتشي والرائش من الله سبحانه وتعالى، وخروجهما من رحمته.[٧]
المراجع
- ↑ عطية محمد سالم، "الرشوة"، cia، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن أبو حميد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1832.صحيح.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 188.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 3/194، [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما].
- ↑ "ظاهرة الرشوة .. حكمها وأسبابها والآثارالمترتبة عليها وعلاجها"، iraq-amsi، 25-3-2010، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
- ↑ "وصايا النبي صلى الله عليه و سلم حكم الإسلام في الرشوة"، alsiraj، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد مراد (17-2-2017)، "الرشوة تدمر الاقتصاد.. وتفتح أبواب الفساد"، alittihad، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
مواضيع ذات صلة بـ : تعريف الرشوة لغة واصطلاحا